سورة لقمان - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (لقمان)


        


{مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحدة} إلا كخلق نفس واحدة وبعث نفس واحدة فحذف للعلم به أي سواء في قدرته القليل والكثير فلا يشغله شأن عن شأن {إِنَّ الله سَمِيعٌ} لقول المشركين إنه لا بعث {بَصِيرٌ} بأعمالهم فيجازيهم.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يُولِجُ اليل فِى النهار} يدخل ظلمة الليل في ضوء النهار إذا أقبل الليل {وَيُولِجُ النهار فِى اليل وَسَخَّرَ الشمس والقمر} لمنافع العباد {كُلٌّ} أي كل واحد من الشمس والقمر {يَجْرِى} في فلكه ويقطعه {إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إلى يوم القيامة أو إلى وقت معلوم الشمس إلى آخر السنة والقمر إلى آخر الشهر {وَأَنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} وبالياء: عياش. دل أيضاً بتعاقب الليل والنهار وزيادتهما ونقصانهما وجرى النيرين في فلكيهما على تقدير وحساب وبإحاطته بجميع أعمال الخلق على عظم قدرته وكمال حكمته {ذلك بِأَنَّ الله هُوَ الحق وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ} بالياء: عراقي غير أبي بكر {مِن دُونِهِ الباطل وَأَنَّ الله هُوَ العلى الكبير} أي ذلك الوصف الذي وصف به من عجائب قدرته وحكمته التي يعجز عنها الأحياء القادرون العالمون، فكيف بالجماد الذي يدعونه من دون الله! إنما هو بسبب أنه هو الحق الثابت الإلهية وأن من دونه باطل الإلهية وأنه هو العلي الشأن الكبير السلطان.


{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الفلك} وقريء {الفلك} وكل فُعْل يجوز فيه فعل كما يجوز في كل فُعُل فُعْل {تَجْرِى في البحر بنعمت الله} بإحسانه ورحمته أو بالريح لأن الريح من نعم الله {لِيُرِيَكُمْ مّنْ ءاياته} عجائب قدرته في البحر إذا ركبتموها {إِنَّ فِى ذلك لآيات لّكُلّ صَبَّارٍ} على بلائه {شَكُورٍ} لنعمائه، وهما صفتا المؤمن فالإيمان نصفان: نصفه شكر ونصفه صبر فكأنه قال: إن في ذلك لآيات لكل مؤمن.
{وَإِذَا غَشِيَهُمْ} أي الكفار {مَّوْجٌ كالظلل} الموج يرتفع فيعود مثل الظلل والظلة كل ما أظلك من جبل أو سحاب أو غيرهما {دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين فَلَمَّا نجاهم إِلَى البر فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ} أي باقٍ على الإيمان والإخلاص الذي كان منه ولم يعد إلى الكفر، أو مقتصد في الإخلاص الذي كان عليه في البحر يعني أن ذلك الإخلاص الحادث عند الخوف لا يبقى لأحد قط والمقتصد قليل نادر {وَمَا يَجْحَدُ بئاياتنا} أي بحقيقتها {إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ} غدار والختر أقبح الغدر {كَفُورٌ} لربه {ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ واخشوا يَوْماً لاَّ يَجْزِى وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ} لا يقضي عنه شيئاً والمعنى لا يجزيء فيه فحذف {وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً} وارد على طريق من التوكيد لم يرد عليه ما هو معطوف عليه لأن الجملة الاسمية آكد من الجملة الفعلية وقد انضم إلى ذلك قوله {هو} وقوله {مولود} والسبب في ذلك أن الخطاب للمؤمنين وعليتهم قبض آباؤهم على الكفر فأريد حسم أطماعهم أن ينفعوا آباءهم بالشفاعة في الآخرة. ومعنى التأكيد لفظ المولود أن الواحد منهم لو شفع للأب الأدنى الذي ولد منه لم تقبل شفاعته فضلاً أن يشفع لأجداده إذ الولد يقع على الولد وولد الولد بخلاف المولود فإنه لمن ولد منك كذا في الكشاف {إِنَّ وَعْدَ الله} بالبعث والحساب والجزاء {حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحياة الدنيا} بزينتها فإن نعمتها دانية ولذتها فانية {وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بالله الغرور} الشيطان أو الدنيا أو الأمل.


{إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة} أي وقت قيامها {وَيُنَزّلُ} بالتشديد: شامي ومدني وعاصم، وهو عطف على ما يقتضيه الظرف من الفعل تقديره: إن الله يثبت عنده علم الساعة وينزل {الغيث} في إبّانه من غير تقديم ولا تأخير {وَيَعْلَمُ مَا في وَأُوْلُو الأرحام} أذكر أم أنثى وتام أم ناقص {وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ} برة أو فاجرة {مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً} من خير أو شر وربما كانت عازمة على خير فعملت شراً وعازمة على شر فعملت خيراً {وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ} أي أين تموت؟ وربما أقامت بأرض وضربت أوتادها وقالت لا أبرحها فترمي بها مرامي القدر حتى تموت في مكان لم يخطر ببالها. روي أن ملك الموت مر على سليمان فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه فقال الرجل: من هذا؟ فقال له: ملك الموت. قال: كأنه يريدني وسأل سليمان عليه السلام أن يحمله على الريح ويلقيه ببلاد الهند ففعل ثم قال ملك الموت لسليمان: كان دوام نظري إليه تعجباً منه لأني أمرت أن أقبض روحه بالهند وهو عندك. وجعل العلم لله والدارية للعبيد لما في الدارية من معنى الختل والحيلة، والمعنى أنها لا تعرف وإن أعملت حيلها ما يختص بها ولا شيء أخص بالإنسان من كسبه وعاقبته، فإذا لم يكن له طريق إلى معرفتهما كان معرفة ماعداهما أبعد وأما المنجم الذي يخبر بوقت الغيث والموت فإنه يقول بالقياس والنظر في الطالع وما يدرك بالدليل لا يكون غيباً على أنه مجرد الظن والظن غير العلم. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «مفاتح الغيب خمس» وتلا هذه الآية. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: من ادّعى علم هذه الخمسة فقد كذب. ورأى المنصور في منامه صورة ملك الموت وسأله عن مدة عمره فأشار بأصابعه الخمس فعبرها المعبرون بخمس سنوات وبخمسة أشهر وبخمسة أيام فقال أبو حنيفة رضي الله عنه: هو إشارة إلى هذه الآية، فإن هذه العلوم الخمسة لا يعلمها إلا الله {إِنَّ الله عَلِيمٌ} بالغيوب {خَبِيرٌ} بما كان ويكون. وعن الزهريّ رضي الله تعالى عنه: أكثروا قراءة سورة لقمان فإن فيها أعاجيب والله أعلم.

1 | 2 | 3 | 4